قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
تخيل عبد المطلب أن الشمس قد أشرقت بنورها وحل الصباح..ولكنه استيقظ ليجد نفسه فى جوف الليل، وقد أطبق السكون على الصحراء الواسعة.
خرج من الخيمة فوجد السماء متلألئة لامعة بالنجوم، فأغلق خيمته، وعاد لينام مجدداً…
لم يكد يغمض عينيه ويستسلم للنوم العميق حتى عاد نفس الحلم إلى الظهور مرة أخرى!!
ولكن هذه المرة كان كل شيئٍ واضحاً جلياً!!
رأى عبد المطلب مخلوقاً عظيماً يأمره بكل حسم أن: احفر زمزم
سأله عبد المطلب فى الحلم: وما هي زمزم؟
وتكرر الأمر: احفر زمزم
لم يكد الصوت يختفى حتى استيقظ عبد المطلب وجلس فى فراشه، وقد كاد قلبه أن يقفز من صدره. وانطلق إلى الصحراء الواسعة.
وظل يفكر فى تفسير رؤياه الغريبة تلك.. مامعنى كلمة زمزم. أحفرها!!. إذن فلابد أنها بئر. ولكن لم أراد هذا الهاتف الذى أتانى أن أحفر بئراً!!.
ولم يجد عقل عبد المطلب الراجح إلا جواباً واضحاً لتلك الأسئلة..
فلابد أن هذا الهاتف قد طلب منه حفر تلك البئر لكى يشرب منها الحجاج. ولكن لم تلك البئر تحديداً. فلدى الحجاج آبار عديدة يشربون مياهها. فماذا إذاً يميز تلك البئر!
جلس عبد المطلب فى الصحراء متأملا نجومها البعيدة يفكر. ثم تذكر تلك القصص القديمة التى تُروى عن البئر التى فجرها إسماعيل عليه السلام بقدماه. أيعقل أن تكون هذه هى نفس البئر!
ومانت الحكايات تحكى أن تلك البئر قد غمرتها الرمال وغطتها عبر الأزمنة المتتالية. وأن كل ماحُفر فيما بعد من آبار لم يكن فى نفس مكان تلك البئر المباركة.
أشرقت الشمس واستيقظ الناس. فخرج عليهم عبدالمطلب قائلاً أنه يريد حفر بئر. وأشار إلى مكان محدد يقع بين صنمين من التى كان الناس يعبدونها يسميان “أساف” و “نائلة”.
رفض القوم السماح لعبد المطلب بحفر البئر. فهم لم يكونوا يعتبرون عبد المطلب ذو قوة أو عصبة يدافعون عنه ويثبتونه على رأيه ولم يبالوا لأمره. فهو لم يكن يملك إلا ولداً واحداً.
حزن عبد المطلب لرد فعل قومه. ولكن تلك الأزمنة كان كل مايحكمها هى القوة والعصبيات. فإذا لم يكن لديك أهل وعصبة يدافعون عنك فأنت بينهم مستضعف.
ذهب عبد المطلب إلى الكعبة ورفع يده إلى الله يدعوه بالذرية ونذر نذراُ.
قال” إذا رزقنى الله بعشرة أبناء يكونون لى عُصبة. فإذا مابغوا مبلغ الرجال فسوف أذبح أحدهم أمام الكعبة قرباناً إلى الله!!
ويبدو أن أبواب السموات كانت مفتوحة، فلم يكد يمر عام من الأعوام حتى كانت زوجته تلد ابناً. حتى إذا صار لديه عشرة أبناء. كبر الأبناء وبلغوا. والآن حيث أنه أصبح ذو عُصبة وقوة فقد قام ببناء بئر زمزم فى نفس المكان الذى أشار إليه الهاتف فى الرؤيا منذ سنوات. واستعد عبد المطلب للوفاء بنذره.
أُجريت القرعة بين الأبناء جميعا، فوقع الاختيار على “عبد الله”أصغر أبناء عبد المطلب.
كان “عبدالله بن عبد المطلب” أطيب مخلوق فى الجزيرة العربية أجمعها.
وقد شهد له الناس بأنه كان يملك من الوداعة مثل عيسى عليه السلام، ومن طيبة القلب مثل يحيى عليه السلام. ومن القوة مثل موسى عليه السلام. فقد كان أرحم الناس بالمخلوقات وحتى بالنباتات. ولم تكن الابتسامة تفارق وجهه أبداً. وكانت روحه صافية نقية.
وحين وقع الاختيار عليه، ثار كل من فى مكة ثورة شديدة وقال الجميع: لانترك عبد الله يُذبح أبداً
لم يدر عبد المطلب ماذا يفعل، فأشار عليه الناس أن ينتظر حتى يستشيروا العرافة.
ذهبوا إلى عرافتهم، واطلبوا منها المشورة. فسألتهم عن مقدار الدية عندهم، فأجابوا : الدية عشر من الإبل
قالت إذاً تجرون القرعة بين عبدالله وعشراً من الإبل فإذا ظهر اسمه مرة أخرى تزيدون عشراً أخرى من الإبل. ثم تزيدون إلى أن تقع القرعة والاختيار على الإبل. حينها تذبحون مقدار مااقترعتم عليه من الابل وتفدون به “عبدالله”
وبالفعل قام الناس يجرون القرعة وفى كل مرة يظهر اسم عبدالله يزيدون عشرا ن الابل حتى إذا وصل العدد إلى مائة رأس من الإبل وقعت القرعة أخيراً على ذبح تلك الإبل بدلاً منه..
هلل الناس وفرحوا فرحاً شديداً لنجاة “عبدالله”. وذبحوا الإبل عند الكعبة وتركوها لايُمنع عنها الناس ولا حتى السباع فداء له.
فرح عبد المطلب وقرر أن يختار أفضل فتاة فى مكة ليزوجها لابنه. فخطب له “آمنة بنت وهب”. ذُبحت الذبائح وأُضيئت النيران فرحاً بهذا الزواج الكريم بين أفضل رجل وأشرف فتاة فى مكة أجمعها.
وبعد شهرين من زواجهما كان على “عبدالله” أن يذهب مع قافلته التجارية ويزور أخواله من قبيلة بنى النجار فى يثرب “المدينة”. ودع زوجته “آمنة” التى لم يمكث معها سوى شهرين منذ زواجهما. ومضى فى طريقه. وبعد مضى شهر واحد من رحيله، وأثناء زيارته لأخواله، سقط “عبدالله” وتوفاه الله. كان فى يعان شبابه و عمره حينئذ خمساً وعشرون عاماً فقط.
حين وصل الخبر إلى العروسآمنة. انكفأت تبكى وتنتحب وناجت الله متسائلة عن جوابٍ لسؤالها: لماذا فداه الله بمائة من الإبل، إذا كان قد كتب عليه الموت بعدها بقليل!!
وقد كانت إجابة هذا السؤال هو الجنين الذى أحست به ينمو فى أحشائها..
حزنت آمنة وبكت مرتين. مرة لفقدها زوجها، ومرة لتيتم ابنها الذى لن يرى أباه..
لم تكن تعلم حينها أنها تحمل أطيب وأنقى من حملت الأرض منذ خلق سيدنا آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة. هو محمد صلى الله عليه وسلم..
مرت أيام الحمل فى حزن واقترب موعد ولادتها. كما اقترب أسضاً ميعاد زحف جيوش أبرهة الحبشى متجهاً لهدم الكعبة. كان جيش هذا الملك الأحمق عظيماً لايُهزم. فقد كان لديه عدداً من الفيلة الهائلة الشرسة التى تدمر ما أمامها تدميراً. وحين وصل جيش أبرهة إلى الكعبة لهدمها، أمر جنوده الفيلة بالتحرك لهدمها، ولكن الفيلة تسمرتولم تتحرك.
وقال “عبد المطلب”: للبيت ربٌ يحميه
مر ثلاثة أيام والفيلة ترفض التحرك لهدم الكعبة. ثم كان أمر الله بإرسال طيورا سوداء تحمل حجارة من الجحيم، وتلقيها فوق جيش أبرهة، فأهلكته ودمرته عن بكرة أبيه.
سورة الفيل – سورة 105 – عدد آياتها 5 |
بسم الله الرحمن الرحيم
|
وفى وسط إحتفالات مكة بهلاك جيش أبرهة ونجاة الكعبة، رأت “آمنة بنت وهب” رؤيا وبشارة..
فقد رأت نفسها تقف وحيدة فى الصحراء الهائلة، وقد أضاء نوراً عظيماً يخرج منها عرض السماء من شرقها لغربها..
استيقظت ولم تعرف تفسيراً لما رأت.
وحلت ليلة الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فى العام الذى سُمى بعام الفيل، فولدت “آمنة” طفلها الكريم “محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
بن مرة , بن كعب , بن لؤى , بن غالب , بن فهر , بن مالك, بن النضر , بن كنانة
بن خزيمة , بن مد ركة , بن الياس , بن مضر , ابن نزار, بن معد , بن عدنان ,ابن
أد , بن أد د, بن اليسع, بن الهميسع , بن سلامان , بن نبت , بن حمل, بن قيذار, بن
اسماعيل, بن ابراهيم , بن تارح , بن ناحور , بن ساروغ , بن أرغو , بن فانغ, بن
عابر , بن شالخ , بن أرفخشذ, بن سام ,ابن نوح, بن لمك , بن متوشلخ , بن أخنوخ,
بن يارد , بن مهلاييل, بن قينان , بن أنوش , بن شيث , ابن آدم عليه السلام”
هذا هو اسم ونسب خير البريه صلى الله عليه وعلى اخوانه الا نبياء وعلى من سار على هديه الى يوم الدين
وُلد صل الله عليه وسلم بعد مرور 700 عام على المسيح عيسى ابن مريم. كان النصارى فيها قد ابتعدوا وحادوا عن تعاليم الإنجيل. بل وحرفوا معظم كلام الله فيه. وكان اليهود قد هجروا تعاليم توراة موسى عليه السلام وحرفوها أيما تحريف يتاجروان بأوراقها بل وعادوا إلى عبادة الذهب.
وُلد الهدى على بُعد خطوات عن الكعبة التى بناها جده إبراهيم عليه السلام، وقد ملأت ساحاتها الأصنام ، وضلّ العباد وعادوا إلى عبادتها.
وكان الفرس وملكهم “كسرى” يعبدون النار والماء. وقد صاروا أكبر قوة فى الأرض حينها يحكمهم ملكهم من إيوانه القريب من بحيرة “ساوة” المقدسة لديهم.
وُلد الرحمة المهداة، وفى لحظة مولده، جفت بحيرة ساوة، وسقطت أربع عشرة نافذة من قصر “كسرى”، وانطفأت النار فى معابد الفرس، إيذاناً لانكسار الضلال والظلام وسطوع نور الحق.
وصلت أخبار الولادة إلى عبدالمطلب، فانطلق إلى حفيده، وحمله وذهب به ليطوف حول الكعبة.
وحين نام “عبد المطب” ليلته تلك، عاوده نفس الهاتف فى رؤياه القديمة فأخبره: أسمه محمداً، يحمده من فى السماء ومن فى الأرض.
وفى اليوم التالى، تسائل الناس عن الإسم الذى سوف يسميه عبد المطلب لحفيده. فقال لهم: أسميته محمداً ابن عبدالله
أنكر الناس على عبد المطلب هذا الاختيار الغريب على ثقافتهم وقالوا: لماذا تركت أسماء آباءنا وأجدادنا إلى هذا الاسم الغريب
قال عبد المطلب مكرراً كلمات الهاتف فى رؤياه: أردت أن يحمده من فى السماء، ويحمده الناس فى الأرض.
وفى المهد كان محمدً صل الله عليه وسلم يبكي من الجوع.
وكانت “حليمة ابنة أبى ذؤيب” مرضعة فقيرة تبحث عن عمل. فلما رأته سالت من أبوه، قيل لها أن أبوه قد مات. فسألت هل جده من الأغنياء، فقالوا: لا بل فقير. فقالت لنفسها أنها لن تعود خاوية كما جائت. وقالت محدثة نفسها: سنواتى كلها فقر وخاوية من الخير، فلنر ماذا ستحمل إلى أنت أيها الطفل!
وقد كانت عادة العرب أن تربى المرضعات أبنائهم خمسة أعوام قبل أن تعيده إليهم.
وحين رجعت “حليمة” إلى أهلها وهى تحمل بين يديها “محمد بن عبد الله”، حتى اتفتحت أبواب الخير جميعها عليهم. فاخضرت الأرض بعد جفافها، وأثمرت الأشجار ونمت، وكبرت الدواب وسمنت. وحينها أدركت “حليمة” أن هذا الخير كله ماهو إلا لقدوم هذا المولود الكريم إليهم
حادثة شق الصدر
النبي صلى الله عليه وسلم كان فى عمر الثانية وشهرين، وفى فترة عيشه لدى “حليمة” مرضعته صلى الله عليه وسلم، كان يلعب مع الغلمان، فأتاه جبريل فشق صدره، وأخرج منه مضغة ثم قال له: هذا حظ الشيطان منك
ثم غسله جبريل عليه السلام فى طست من ذهب بماء من بئر زمزم.
حتى أن الغلمان ذهبوا إلى حليمة وأخبروها أن محمداً قد صُرع (أى مات). فعادت إليه لتجد أثر الشق وقد خيط فى صدره.
مرت السنين وانتهت فترة بقاء النبى مع حليمة وعاد الى أمه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقررت “آمنة بنت وهب” أن تزور قبر زوجها الراحل “عبدالله” فى يثرب وتزور أخوتها أيضاً. سافرت “آمنة” ومعها طفلها. وكانت الرحلة شاقة وطويلة. فمكثت بعدها فى ديار إخوتها شهراً. ثم انطلقت وابنها صل الله عليه وسلم عائدين إلى مكة.
وفى رحلة العودة، مرضت مرضاً شديداً، فلم تلبث سوى أيام حتى وافتها المنية، ليكبر سيدنا محمد منذ طفولته وهو يتيم الأب والأم.
وجدت “أم أيمن” خادمة “آمنة” نفسها وحيدة فى الصحراء مع هذا الطفل اليتيم. فحملته إلى جده “عبدالمطلب”، حتى سن الثامنة حين توفى عبد المطلب، وكان قد اختار له “أبو طالب” عم الرسول صل الله عليه وسلم كى يكفله ويعيش معه.
لم يكن عم الرسول غنياً، فكان عليه أن يعمل معه فى رعاية الأغنام لكى يساعده. وكان عمه يعطيه أجراً مقابل رعايته للغنم.
وفى عمر الثانية عشر، سافر محمد عليه الصلاة والسلام مع عمه إلى الشام برفقة قافلة تجارية.
وهناك رآه إحدى الرهبان المتعبدين وكان لديه علم من الإنجيل. وقد عرف هذا الراهب من نبوءات الإنجيل الصحيحة أن هذا هو نبى آخر الزمان الذى أخبرهم به الله فى إنجيل عيسى عليه السلام.
قال الراهب ويرجح أن اسمه “البحيرى”، قال لأبو طالب: «ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا»
كبر محمداً فى قريش، ولقبه الناس بالقوى الأمين.
فبينما كان الشباب يتباهون بشرب الخمر وحفظ أبيات الشعر، كان محمداً صل الله عليه وسلم يجلس فى غار حراء متأملا فى خلق الله، مستنكراً على الناس عبادتهم للأصنام التى لاتسمع ولاتعقل.
وفى عمر الخامسة والعشرين، وبعدما سمعت عنه السيدة خديجة من النبل والمروءة والأمانة، أرسلت فى طلبه ليخرج أميناً على أموال تجارتها إلى الشام.
كانت السيدة “خديجة بنت خويلد” رضى الله عنها فى الأربعين من العمر، وكانت من أشراف قريش وأغناهم مالاً.
ولما عاد النبى عليه الصلاة والسلام من رحلة الشام بأرباح هائلة للسيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها، فرحت بأمانته ونبله، وعرضت عليه الزواج، فقبل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
نزول الوحى
وفى يوم من أيام شهر رمضان الكريم وبعد أن بلغ سنه أربعين سنة، بينما كان الرسول صل الله عليه وسلم جالساً يتأمل فى غار حراء، فإذا بجبريل عليه السلام يتنزل عليه فى هيئته التى خلقه الله عليها. فزع النبى الكريم وكاد يجرى فزعاً. فقال له جبريل: اقرأ
فأجابه الرسول: ما أنا بقارئ
فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعلم القراءة والكتابة
فضمه جبريل إليه ثم تركه وقال: اقرأ
فقال النبي: ما أنا بقارئ
فضمه جبريل إليه ثم تركه مرةً أخرى وقال: اقرأ
فقال النبي: ما أنا بقارئ
ثم ضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة وقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
رجع رسول الله إلى السيدة خديجة مرتجفا وقال: زمّلوني زمّلوني … دثّروني دثّروني
قالت له أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ.
واستدعت ورقة بن نوفل لتستشيره فيما رأى زوجها. فلما حكى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، قال له ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك،
فقال رسول الله : أوَمخرجيّ هم؟
قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا
مرت الأعوام وانطلقت دعوة الإسلام فى السر ثم فى العلن وقد تحقق ما قاله ورقة بن نوفل من معاداة اهل الكفر لأنبياء الله.
جاء عام الحزن، وفيه ماتت خديجة رضى الله عنها، كما مات عم الرسول “أبو طالب” وهو من كان يمنع أذى قريش عنه.
اجتمع الكفار وقرروا ألا يبيعوا ولايشتروا من النبى عقاباً له على دعوته.
حتى أن النبي صل الله عليه وسلم كان قد خرج إلى الصلاة فى المسجد فى يوم من الأيام، فإذا بالمشركين من قريش يلقون التراب على رأسه الكريم صل الله عليه وسلم، بل وزادوا فُجراًن حين أتوا بأحشاء جمل مذبوح وألقوها فوقه وهو ساجد عليه أفضل الصلاة والسلام.
علمت السيدة فاطمة بما حدث لأبيها، فجرت إلى المسجد، وراحت تزيح عن كتفيه الكريمتين ما ألقاه الكافرون. ووقفت تدافع عن أبيها.
حزن النبى صلى الله عليه وسلم، وقرر الخروج إلى الطائف حيث قبيلة “ثقيف”. علّ الله يهدى ولو قلب رجل واحد منهم.
كانتت المسافة بين مكة والطائف أكثر من خمسين ميلاً. والرحلة مجهدة شاقة توهن حتى أشد الخيول أو الجمال. ولكنه صلى الله عليه وسلم قطعها على قدميه.
خرج وحيداً لايرافقه أحد. ومكث فى الطائف عشرة أيام يمر على البيوت والأسواق ليدعو الناس. فيرده الناس رداً غليظاً.
فحين قرر النبى مغادرة الطائف، أرسل أهلها خلفه الصبيان، وجعلوا يضربه صلى الله عليه وسلم بالحجارة، حتى أنه أصيب فى قدميه الشريفتين وسالت منها الدماء.
أحس الرسول صلى الله عليه وسلم بالحزن الشديد. ولجأ إلى يستريح فى بستان يبعد عن الطائف مسافة ثلاثة أميال. كان هذا البستان يملكه اثنان من سادات أهل الطائف هما “عتبة وشيبة ابنا ربيعة”. وقد أرسلا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فتىً نصرانياً يدعى “عداس”. وأرسلوا معه قطفاً من العنب ليقدمها للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
أحس النبى بالحزن الشديد، فرفع يداه الكريمتان إلى السماء وقال: : (اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ).
فلما وضع عداس العنب بين يدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مدَّ الرسول يده إليه وقال: (بسم الله) ثم أكل. فقال عداس: إن هذا الكلام لا يصدر عن أهل هذه القرى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنت وما دينك؟) فقال عداس: أنا نصراني من مدينة نينوى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟) فقال عداس: ومن أين عرفت يونس بن متى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي) فهوى عداس إلى قدمي النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأسه فقبلهم، ثم دخل الإسلام.
عاد النبى الكريم حمداً صلى الله عليه وسلم إلى مكة مشاشياً على قدميه الشريفتين. وعاش في مكة أياماً صعبة عاداه فيها أهلها. وتخلى عنه.
طاف الرسول بالكعبة وحيدأً وظل يدعو الله. وراح الكافرون يكيلون له نظرات الكره والغل وهو يطوف بها.
وقَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ قبلَها بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، حدثت حادثة الإسراء والمعراج.
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
مرت سنوات الدعوة بغزواتها وانتصاراتها وبكل مافيها، حتى أتى يوم لم يعد الرسول صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال كما تعود. وطلبت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها، للأطفال المتصايحين خارج منزل الرسول صلى الله عليه سلم، طلبت منهم أن يهدأوا فإن رسول الله مريض..
وفى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة.
وقد حكى أنس عن ذلك اليوم فقال: بينما هم في صلاة الفجر يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. رواه البخاري.
هذا ولم يأت على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أخرى بل بدأ الاحتضار، فأسندته أمنا عائشة إليها رضي الله عنها وقالت: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن -ابن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. رواه البخاري.
وما أن فرغ من السواك حتى رفع يده صلى الله عليه وسلم أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.