قصة العجل السمين
يحكى أنه في أرض فلسطين كان يعيش عجل سمين في بيت سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وهو يحكي لنا ما شاهده في بيت سيدنا إبراهيم الخليل
فيقول: أنا عجل سمين، عشت على أرض فلسطين، وكنت أذهب لأرعى في ربوعها الطاهرة، وكنا نرى أنا وأصدقائي من بقر وخراف وعجول ما يحدث من صراعات فيها بين الحق والباطل.
فقد كان الحق في جانب خليل الله إبراهيم -عليه السلام-، والباطل في صف من يقومون بعبادة الأصنام من دون الله، ولقد وصل إلينا أخبار من بعض إخوتنا الذين معنا في المرعى أنه كان يحدث في قوم لوط (الذي هو ابن أخ نبي الله إبراهيم -عليه السلام-)، أمورًا مخزية تدل على أنهم أناس لا يملكون شيئًا من العقل، فقد صاروا أسوأ من الحيوانات خلقًا وأقل منها فهمًا، وكنا نشعر تجاههم بالأسف الشديد بسبب ذلك، وننتظر أن ينتهي بهم الحال إلى نهاية محزنة
أما أصحاب نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، فقد كانت أخلاقهم عالية، فهم يعاملوننا بكل رفق، ويعطفون علينا، وكان أيا منا يشعر بالسعادة والفخر إذا امتلكه أي واحد منهم، وصار ضمن قطيعه.
وكم كنت مسرورًا بالعيش في بيت سيدنا إبراهيم -عليه السلام-،وكنت أحد أفراد قطيعه، وبالرغم من أنه ذوكرم شديد،وكل يوم يذبح منا لضيوفه الذين يأتونه بشكل مستمر، فكان دائماً البيت مليء بالزوار؛ إلا أن عددنا في تزايد دائم، فيكرم الفقير وعابر السبيل بإطعامهم وكسوتهم والجميع مسرورين ويشكرونه دائمًا.
وفي أحد المرات حدث أنه لم يأتي أي ضيف جديدة لزيارة نبي الله إبراهيم –عليه السلام-، وذلك لمدة أسبوعين، فكان -عليه السلام- في كل يوم يخرج للبحث عن فقير أو عابر سبيل فيصعد الجبال ويطوف الوديان ويقف عند مفترق الطرق؛ لكنه ومع كل ذلك يرجع دون أن يجد أحد، فيبدو أن القوافل لم تعد تمر في تلك الفترة؛ لذلك قل من يمرون بنا، وبدأ يظهر القلق الحزن على كل من في البيت نبي الله إبراهيم وزوجته ونحن أيضًا بسبب قلة الضيوف.
وفي أحد الأيام أقبل علينا مجموعة من الناس تظهر عليهم علامات الهيبة والجمال، ويشع النور منهم، ففرحنا واستقبلهم سيدنا إبراهيم –عليه السلام- بكل حب وسرور ورحب بهم أشد الترحيب، ولقد كنت أنا كنت من نصيبهم لأني كنت أفضل العجول وأكثرها سمنة، وكنت أن الأليق بتلك المناسبة الجميلة، والتي لم يكن نبي الله إبراهيم ولا أي منا يتوقع حدوثها.
وحقيقًا لقد كانت فرصة جميلة بالنسبة لي، فسوف أكون وسط المائدة في هذا اليوم الجميل، بعد أن تم شوائي على الحجر الساخن وصار الدهن يسيل مني، وانتشرت الرائحة الشهية مني والتي ترغمهم على أكلي بشراهة.
لقد حضر الضيوف وقالوا سلامًا، وقام نبي الله إبراهيم -عليه السلام- بالترحيب بهم، ثم قام بدعوتهم إلى المائدة والتي هي أنا العجل الحنيذ، كما تم ذكري في آيات القرآن التي حكت قصتي، ولكن لقد حدث ما لم يكن مُتوقع! فلم يمد أحدهم إلى يديه،فتعجب نبي الله إبراهيم –عليه السلام- منذلك، ونظر إليهم إشارة إلى الاستفهام عن سبب عدم تناولهم للطعام، فلم ينطق أيًا منهم، لذلك توجس منهم خيفة، وقام بسؤالهم لماذا لا تأكلون؟،
فقال أحدهم نحن لا نأكل شيء إلا بدفع ثمنه، فقال إبراهيم: إن له ثمن؛ قالوا: وما ثمنه؟ قال: أن تقولوا عندما تبدأوا الطعام بسم الله وبعدما تنتهون الحمد لله.
ابتسم الضيوف وقالوا حقاً إن هذا هو خليل الله، ثم أخذ الضيوف يطمئنونه ويزيلون عنه الخوف، فقال أحدهم: إننا لسنا بشر فلا يمكننا أن نأكل، وأضاف الثاني: إننا ملائكة قد بعثنا الله إليك وإلى قوم ابن أخيك لوط –عليه السلام-، وقال الثالث: إننا نحمل لك بشرى وفرحة، وكذلك نحمل لقوم لوط تحذير وإنذار لهم.
وكانت زوجة نبي الله إبراهيم السيدة سارة تقف خلف الستار تنتظر خشية أن يحتاج نبي الله أو ضيوفه أي شيء، وكانت قد أصبحت كبيرة في السن، فقد تجاوز عمرها مائة عام، وقد كانت تشعر بالحزن لأنها طيلة هذا العمر لم يرزقها الله بولد، وكانت تشعر بالغيرة من زوجة نبي الله إبراهيم التي هي (هاجر المصرية) فقد أعطاها الله ابنًا وهو نبي الله إسماعيل –عليه السلام-، إلا أنها كانت تصبر وتحتسب، وقد علمنا كيف أنها طلبت من زوجها أن يقوم بإبعاد هاجر وولدها إلى مكان لا تراهم فيه وقد كان هذا لحكمة الله سبحانه وتعالى وأمر منه بأن يقوم بتلبية طلبها، فأخذ ولده إسماعيل وزوجته هاجر وذهب بهم إلى وادٍ غير ذي زرع في جزيرة العرب، وقام بتركهما هناك بأمر من الله، وقد فجر الله لهما بئر زمزم الذي كان سببًا في أن يعمر هذا المكان بالسكان وتدب فيه الحياة، وكانت بلد الله الحرام مكة المكرمة، حيث قام نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل –عليهما السلام- ببناء بيت الله الحرام بأمر من الله سبحانه وتعالى في ذلك المكان.
لقد استطردت كثيرًا في الحديث، وابتعدت عن ضيوفنا، لقد كنت أحكي لكم بأن السيدة سارة كانت تنتظر زوجها لتلبي طلبه هو وضيوفه وسمعت حديثهم وكانت تريد أن تعرف من أولئك الذين لا يأكلون، فشعرت بالفرحة الغامرة حينما سمعتهم وهم يبشرون نبي الله إبراهيم –عليه السلام-، وهي منتظرة بلهفة وهي تسمع الملائكة الأطهار الأبرار، وهم يقولون: لقد جئناك بالبشرى بأن الله سيرزقك من زوجتك سارة بإسحاق ومن بعده يعقوب.
لما سمع نبي الله إبراهيم –عليه السلام- تلك البشرى صمت عن الكلام، أما السيدة سارة فقد تعجبت وقالت: هل سألد وأنا سيدة عجوز! وزوجي شيخ كبير!
أجابتها الملائكة: هل تتعجبين من أمر الله، إنها رحمة من الله تعالى لكم يا أهل البيت فهو سبحانه السميع المجيب.
وقد أخبر الملائكة سيدنا إبراهيم –عليه السلام-، بأنه سينزل بهم عقاب شديد، فلما هدأ نبي الله إبراهيم من روعه بدأ في مناقشتهم في ذلك الأمر وهو قلق، فقد كان قلقاً عليهم حيث أن ابن أخيه لوط ذهب إلى مدينة سدرم حتى يحاول أن يرشدهم إلى الصواب؛ ويعم فيه الخير والإيمان؛ لكنهم لم يستجيبوا له ولم يهتموا به وظلوا يكذبونه، وقد حذرهم نبي الله لوط –عليه السلام- من عقاب الله إلا أنهم طغوا وتجبروا، وقاموا بالسخرية منه؛ بل وتحدوه بأن يأتيهم بعذاب الله، فقال لهم: إن الله يمهل ولا يهمل. ولقد كانت زوجته تقوم بنقل الأخبار إليهملأنها كانت مثلهم.
شعر نبي الله إبراهيم –عليه السلام- بالقلق الشديد على ابن أخيه وقومه عندما علم أن الله أمر الملائكة بأن يلحقوا بهم العذاب، فهو يتمنى أن يهديهم الله، وبدأ يناقشهم في ذلك إلا أن الملائكة أخبروه بأنه أمر الله على الكافرين، وأن العذاب الذي سيأتيهم لا قبل له، وأن الله سينجي المؤمنين منهم ولن يمسهم أي أذى.
وصلت الملائكة إلى بيت نبي الله لوط –عليه السلام-، وعندما علمت زوجته بوجودهم أخبرت القوم بوجودهم وجاءوا لينالوا منهم، وقد شعر نبي الله لوط بالحزن إلا أن الملائكة طمأنته بأنهم رسل الله وأنهم لن يتمكنوا من الوصول إليه، وقد أمروه بأن يخرج ليلًا ويأخذ معه كل من آمن إلا زوجته، فهي مثل الظالمين، وبالفعل خرج نبي الله لوط ومن معه من المؤمنين، واستمروا في السير ثلاثة أيام دون أن ينظروا خلفهم كما أمرهم الله بذلك.
وبعد مرور ثلاثة أيام كما أخبرهم نبي الله لوط بأن الله سيأتيهم بالعذاب بعدها، بمجرد أن طلعت عليهم الشمس حتى أتت الملائكة وقامت بحمل المدينة بأكملها حتى وصلت إلى السماء ثم قلبتها وخسفت الأرض بهم، وقد أمطرت عليهم السماء حجارة من سجيل، وبهذا دمر الله القوم الظالمين الذين عصوا الله سبحانه وتعالى وعصوا رسوله.
وقد حقق الله البشرى لنبي الله إبراهيم وزوجته سارة وقد رزقها الله بإسحاق –عليه السلام-.
وفي النهاية أحبائي أقول لكم: بأن الصراع بين الحق والباطل دائم؛ لكن من يطيع الله ويلزم الصواب دائمًا ينصره الله –سبحانه وتعالى-.