قصة سيدنا موسى عليه السلام

قصة سيدنا موسى عليه السلام

استقر سيدنا يعقوب فى مصر بعد أن حضر إلى ابنه يوسف عليه السلام، وسيدنا يعقوب كان يسمى أيضا إسرائيل الله، ولهذا يطلق على ابناؤه ومن من نسلهم “بنو إسرائيل!!

وحين حضر يعقوب الموت، جمع حوله أبناؤه ليملى عليهم وصيته..

فسألهم سيدنا يعقوب: “ماتعبدون من بعدى؟”

قال أبناؤه: “نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون”

فاطمئن يعقوب وصعدت روحه الى الجنة، وكان قد أوصى بدفنه فى فلسطين، فدفنه أبناؤه فيها، ولكنهم فضلوا أن يعودوا للعيش والاستقرار فى مصر، فى ظل أخيهم يوسف..

فعاش أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام “بنو إسرائيل” فى مصر، وتزوجوا وأنجبوا، ومرت سنين طويلة، حتى أتى عليهم زمن كانوا قد نسوا وصية يعقوب ورسل الله من قبله لهم!!

وتتابع ملوك مصر وحكامها حتى جاء الفرعون على العرش، وكأن الله قد سلط على بنو اسرائيل من لايخاف الله فيهم ولايرحمهم، جزاء لشركهم ونسيانهم وصايا أنبياء الله..

كان فرعون مصر ذلك حاكما جبارا ظالما، وكان المصريون يعبدونه ويخافونه..

وفى يوم وصلت إلى الملك نبوؤة مفادها أن زوال حكم هذا الفرعون سوف يكون على يد واحد سيولد من بنى اسرائيل!!

فصدرت الأوامر من الفرعون المتجبر بقتل كل أولاد بنى اسرائيل من الذكور، وأى امرأة ستضع مولودا ولدا سيتم قتله فورا..

وفى ظل هذا الجو، ولد سيدنا موسى عليه السلام، أخفته أمه عن العيون خوفا عليه من بطش جنود فرعون وظلت ترضعه سرا..

حتى جاء يوم وأتاها وحى من الله: “وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين”

ومالبثت الرؤيا تتضح لأم سيدنا موسى حتى أطاعتها فورا طاعة لربها الرحيم المطلع..

أرضعت ام موسى ابنها ووضعته فى صندوق خشبى، ثم ألقت به إلى النهر كما أمرها ربها، كانت حزينة لفراق رضيعها وقلبها يمتلى بالألم لفراقه، ولكنها اطمأنت لأمر الله بأنه سيرده إليها..

وحملت مياه النيل الصندوق الذى بداخله نبى الله موسى حتى استقر على العشب بجوار قصر فرعون..

فى الصباح وبينما كانت زوجة فرعون تتمشى فى حديقة القص، إذا بها ترى الصندوق، وإذا بها تفاجئ بموسى الرضيع نائما بداخله!!

فسارعت تطلب من خدمها أن يحملوا الصندوق إلى داخل القصر بسرعة..

كانت امرأة فرعون على عكس زوجها رحيمة القلب مؤمنة، ولكنها لم تكن تنجب الأطفال، فأحست بعاطفة الأمومة ناحية الرضيع، وانهمرت دموعها متمنية أن تكفله..

وحينما دخل عليها فرعون، وتسائل عن هذا الطفل وحكت له، خاف أن يكون أحد اسرائيل، وكاد يأمر بقتلهن لكنها بكت شديدا وتمسكت بالطفل وترجت زوجها: “قة عين لى ولا عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا”

وبعد إلحاح وإصرار منها وافق فرعون على طلبها وسمح لها بأن تربى الصغير كإبنها فى القصر..

استيقظ موسى الرضيع من نومه واشتد به الجوع فبدأ بالبكاء..

وانتبهت لذلك زوجة فرعون، فقال لها زوجها بأن يحضروا له المراضع..

حضرت إحدى المرضعات وحاولت أن تطعم الصغيرن فرفض أن يأكل شيئا من لبنها..

وظل الوضع هكذا مع كل المراضع اللاتى أحضروهن له، فلم تستطع أيا منهم أن ترضعه، واستمر الظفل فى البكاء جوعا..

كانت أخته تتبع أثره كما أمرتها والدتها، وعرفت حيرة آل بيت فرعون فى إيجاد مرضعة للطفل موسى، فقالت لهم أخته: “هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه ويرضعونه ويهتمون به؟”

فما كان من زوجة فرعون إلا أن عرضت عليها هدية إذا استطاعت أن تجد مرضعة تستطيع اطعام الصغير الباكى ورعايته..

عادت أخت سيدنا موسى عليه السلام إلى أمها، وأخذتها إلى القصر حيث الصغير، وبمجرد أن حملته سكن لها ابنها فأرضعته وأشبعته..

ففرحت زوجة فرعون بذلك فرحا شديدا، وقررت أن تتركه مع مرضعته، حتى يتم فترة الرضاعة، ثم يعيش معهم بعد ذلك..

وبهذا تحقق وعد الله الحق لأم موسى 

وعاد ابنها الى حضنها بلاخوف أو قلق من بطش جنود فرعون هذ المرة..

“فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”

بعد أن أتم سيدنا موسى عليه السلام فترة رضاعته فى كنف أمه، سمته إلى فرعون مثلما اتفق..

وفى بيت فرعون تربى سيدنا موسى على يد أعظم وأرقى المربيين والمدرسين فى كل المجالات والعلوم..

تعلم موسى الكيمياء والفلك والحساب والهندسة واللغات والطبيعة، ولكنه كان كلما أتى الكاهن ليعلمه حصة الدين، نام موسى من الملل وقلة الاهتمام بهذا الهراء الذى يتحدث عنه معلمه عن ألوهية فرعون، ولم ير موسى أيا من هذا الكلام منطقيا أبدا..

كان موسى يدرك حقيقة أنه ليس ابنا حقيقيا لفرعون وإنما هو أحد أبناء اسرائيل، وقد كان يعي جيدا مايفعله فرعون من ظلم واضطهاد لبنى اسرائيل..

اضغط هنا لقراءة تاريخ بنى اسرائيل كاملا

كان موسى قوى البنية شديدها..

وخرج يوما ليتمشى فى المدينة، ووجد رجلين يقتتلان أحدهما من أتباع فرعون والآخر ضعيف من بنو اسرائيل، وكان الرجل الضعيف يستغيث..

تدخل موسى بقصد أن يفض الخلاف والاقتتال بين الرجلين، وبينما هو يفرقهم وكز موسى عليه السلام الرجل من اتباع فرعون فقتله من شدة قوة الضربة!!

وصدم موسى لما حدث، فهو لم يكن يقصد هذا ابدا، فقال موسى لنفسه: هذا من عمل الشيطان، انه عدو مضل مبين”

ثم دعا موسى ربه معترفا بذنبه طالبا العفو والصفح من ربه.. وقال: “رب انى ظلمت نفسى فاغفر لى”

غفر الله لسيدنا موسى وتاب عليه وهو الغفور الرحيم..

وكان موسى يمشى فى المدينة خائفا يترقب، فلم يكن قد رآه أحد وهو يقتل الرجل بالأمس,,

وبينما هو يمشى، قابل نفس الرجل الذى أنقذه بالأمس، ورآه اليوم أيضا فى عراك مع أحد المصريين!!

نادى الرجل على موسى مرة أخرى واستنجد به لينقذه ويحول بينه وبين الرجل الأخر، فتقد منه موسى غاضبا منه، ومن اصراره على توريطه له، فخشى الرجل الاسرائيلى من غضبة موسى فصرخ قائلا:”أتريد أن تقتلنى مثلما قتلت نفسا بالأمس!!”

فتمالك موسى نفسه وسارمبتعدا..

ولكن الناس الآن قد عرفوا من هو مرتكب جريمة الأمس بعد أن فضحه الاسرائيلى على الملأ..

وأمر فرعون بقتل موسى، جزاء على فعلته..
جاء رجل مصرى من المؤمنين إلى موسى مسرعا يحذره من أن فرعون قد أمر بقتله، ونصحه بالهروب من مصر حتى لايمسه سوء..

وبالفعل خرج سيدنا موسى عليه السلام من مصر خائفا يترقب داعيا ربه أن ينجه من القوم الظالمين!!

سار موسى فى الصحراء متجها إلى “مدين” وهى تقع فى شبه الجزيرة العربية(فى دولة السعودية حاليا)،

وصل سيدنا موسى أخيرا الى مدين وجلس بجوار بئر ليشرب ويرتاح..

كان موسى عليه السلام حين خرج من مصر لم يأخذ أى متاع أو طعام أو شراب معه، وقد خرج مسرعا خوفا من بطش فرعون به، وطوال الرحلة الطويلة، كان سيدنا موسى يقتات على أوراق الأشجار، ولم يلك سوى الملابس التى عليه، ولم يملك أى نقود معه..

وحين جلس إلى جوار تلك البئر ليرتاح، وجد فتاتان ترعيان الأغنام، وقد جاءا الى البئر لسقايتها، وكانت البئر مزدحمة بالناس والرعاة الذين جاؤا للسقيا..

أحس أن تلك الفتاتين بحاجة الى المساعدة، فتقدم الى الفتاة الكبرى وسألها عما إذا كانوا بحاجة الى ساعدة فى شئ..

فقالت له أنهم بانتظار أن ينتهى باقى الناس من سقاية اغنامهم ودوابهم حتى يستطعن الوصول إلى البئر و الحصول على الماء!!

وقالت الفتاة الصغرى انهم لا يستطعن أن تزاحمن الرجال

كان موسى مستغربا حين رآهما وأغنامهما، فرعاية الغنم مهنة شاقة ومتعبة، كان لايمارسها سوى الرجال..

وهنا أكملت الفتاة الصغيرة حديثها قائلة: “إن أبانا شبخ كبير، لايستطيع الخروج كل يوم، ولا يتحمل مشقة الرعى”

فعرض عليهما سيدنا موسى أن يسقى هو لهما..

وعندما توجه عليه السلام إلى البئر، وجد الرعاة الآخرون قد وضعوا صخرة شديدة الضخامة والثقل فوق البئر، لم يكن حتى عشرة رجال يستطيعون زحزحة تلك الصخرة، ولكن سيدنا موسى أزالها بسهولة لقوة جسده وشدته!!

سقى لهما موسى وأعاد الصخرة إلى مكانها مرة أخرى، ثم جلس فى الظلال تحت الشجرة مرة أخرى ليرتاح..

كان الجوع بدأ يشتد بسيدنا موسى عليه السلام، ولم يكن يمتلك أى شئ حتى ليبيعه أو يقايضه للحصول على بعض الطعام، ثم تذكر رحمة الله وعظمته فدعا الله وقال: “رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير”

عادت الفتاتان إلى أبوهما الشيخ، فاستغرب الرجل لعودتهما السريعة على غير العادة، فهم دائما يغيبون كثيرا بسبب ازدحام البئر بالناس وبالرجال من الرعاة..

فحكت  له ابنتاه عن سيدنا موسى ومساعدته لهما فى السقاية، وعن قوته..

فحمد الأب الله على ارساله من يساعد ابنتاه هكذا، وقال الأب لابنته: “ارجعى إلى ذلك الرجل الكريم، وقولى له إن أبينا يريد أن يعطيك أجر ماسقيت لنا!!”

عادت الفتاة وأبلغت سيدنا موسى عليه السلام رسالة أبيها..

كان موسى قد ساعد الفتاة لوجه الله ولم يكن يبتغى أجرا على مافعل، ولكن الجوع والتعب الذى كان فيهما، جعلته يفرح لمثل تلك الفرصة للحصول على بعض المال ليشترى به بعض الطعام..

قام موسى مع الفتاة متوجا إلى بيت أبيها، وبينما هم سائرين هبت بعض الرياح فأزاحت ثوب الفتاة قليلا، فأدار النبى الكريم وجهه حياء وأدبا، وطلب من الفتاة أن يمشى هو أمامها، وتوجهه هى الى طريق البيت!!

وصلا الى البيت فرحب به والد الفتاتان وقدم له الطعام والشراب، وحدثه موسى عن قصة خروجه من مصر..

طمأنه الشيخ بأن مدين بلادهم تلك بعيدة جدا عن مصر، ولايصلها حكم ولابطش فرعون، وقال له: “لاتخف.. لقد نجوت من القوم الظالمين”.

قالت الابنة الصغيرة لأبيها همسا: “ياأبت استأجره، إن خير من استأجرت القوى الأمين”

وفسرت الفتاة لأبيها قوة موسى فى حمل الصخرة وأمانته عين غض بصره عنها وسار أمامها فى الطريق..

فعاد الشيخ الى نبى الله وقال له: “إنى أريد أن أزوجك إحدى ابنتى، على أن تعمل فى رعاية الغنم عندى لمدة ثمانية أعوام، وإن أتممت عشر سنوات فهذا كرم منك، لاأريد أن أتعبك أكثر..

وافق موسى وقال: “هذا اتفاق بينى وبينك، والله شاهد علي، فسواء أتمت الثمانى أو العشر سنوات فأنا حر بعدها فى الذهاب”

تزوج سيدنا موسى من الابنة الصغرى، وعمل فى رعاية أغنام أبيها لمدة عشر سنوات كما اتفق..

وبعد أن أتم تلك الأعوام العشر، قرر موسى أن يعود ومعه زوجته إلى مصر!!

سار سيدنا موسى عليه السلام واهله فى الطريق إلى مصر، حتى حلت عليهما ليلة شديدة المطر والرياح وزاد فيها البرد والظلام..

وقد حاول موسى اشعال النار للتدفئة، ولكنه لم يستطع من شدة الرياح..

وفجأة قام من مكانه وقال لزوجته أنه يرى نار بعيدة، لكنها قالت بأنها لاتر شيئا مما يقول، فطلب منها الانتظار حتى يذهب موسى إلى النار ويأتى ببعضها للتدفئة..

إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

سار موسى ممسكا عصاه إلى النار، حتى وصل إلى واد يسمى “طوى”، وعلى عكس ماكان من برد ورياح، فلقد كان الجو هادئا ساكنا فى ذلك المكان، اقترب موسى من تلك النار ليأخذ منها..

لَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وسمع صوت العزيز الرحيم الجبار: “يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “

ارتعد موسى وقال له الله : “

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”

انحنى موسى وجسده ينتفض من  هول الموقف وخلع نعليه كما أمره ربه..

وهنا كانت بداية الوحى فقال له الحق سبحانه: “وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16) “

ثم سأله الله عما يحمل فى يده اليمنى:  “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ”

فرد موسى بأنها عصاه يستند عليها ويرعى بها الأغنام وأستخدمها فى بعض الأشياء الأخرى: ” قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ”

أمره الله أن يرميها من يده

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ

أطاع موسى أمر الله وألقى بعصاه، فإذا بها تتحول إلى ثعبان هاثل ضخم الجسم..

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ

فزع موسى فزعا شديدا وجرى مبتعدا من شدة الخوف..

ولكن الله طمأنه وطلب منه ألا يخاف ويعود مرة أخرى فيلتقطتها..

قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ 

توقف موسى وعاد ومد يده إلى العصا فعادت عصا عادية كما كانت!!

ثم أمره الله بشئ آخر..

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ

أمره الله بأن يضع يده فى جيبه، وفعلا أطاع سيدنا موسى، وحينما أخرجها وجدها تتلألأ زتنير كالقمر!!

بدأ موسى يهدأ قليلا ويطمئن قلبه..

وأصدر الله له باقى الوحى.. اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ

وهنا أدرك سيدنا موسى رسالته كنبى كربم، وطلب من الله عز وجل أن يرسل معه أخوه هارون الذى كان يتميز بالحكمة والفصاحة، وأن يرافق سيدنا موسى عليه السلام فى دعوته..

 قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)

وحكى له ربه الكريم قصة أمه وإلقاءها له فى اليم..

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (40)وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)

بدأت رحلة الرسالة النبوية الكريمة، ورحلة صراع نبى الله موسى عليه السلام مع فرعون..

أطاع سيدنا موسى أمر ربه وذهب لمواجهة فرعون مع أخيه هارون، وقالا له: “أنهم رسل الله إليه، وأنهما يريدانه أن يكف عن أذية بنو اسرائيل، ويتركهم يذهبون مع موسى وأخيه!!”

فعرفه فرعون واستغرب من فعله، أليس هو ذلك الرضيع الذى تربى فى خير فرعون وقصره وتحت رعايته!!

وقال فرعون مستهزئا: “قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ”

قال موسى: “قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ”

سخر منه فرعون وتحدث إلى الملأ من حاشيته  ومن حوله قائلا: انظروا إلى هذا الفقير الذى جائنى ليدعو لإله جديد، أوهناك إله غيرى؟؟”

وتحدث إليه موسى كثيرا وكان هو وأخيه يتكلمون مع فرعون برفق ولين كما أمرهما الله، ولكن فرعون طغى وتجبر وأنكر على موسى مايقول..

وحينها قرر موسى أن يريه معجزات وآيات الله حتى يقتنع هو ومن حوله بعبادة الله عز وجل، فألقى موسى بعصاه فإذا به الثعبان الحقيقى كما أمره الله أن يكون..

غادرهم سيدنا موسى بعد أن أعاد عصاه كما كانت إلى يده، وتركهم فاغرى الأفواه فى ذهول..

اجتمع فرعون مع وزرائه وعلى رأسهم وزيره “هامان”، ونافقه الملأ وقرروا أن موسى كاذبا، وأنهم لابد أن يجمعوا له السحرة ليقيموا عليه الحجة بأنه ساحر، وأن تحويله العصا إلى أفعى لم يكن إلا خدعة قام بها هذا الكاذب المدعى النبوة موسى!!

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

وفى يوم الزينة “شم النسيم”وكانت تقام فيه احتفالات كبيرة، قرر فرعون أن يدعو سيدنا موسى عليه السلام أن يجتمع فى قلب النهار ليتنافس هو وسحرة فرعون أمام الناس فيما ادعاه موسى من معجزة العصا!!

وقد كان..

حضر فرعون، وحضر سحرته، وحضر كل الناس من كل مكان ليشهدوا الاحتفالات وتلك المنافسة المثيرة..

قال سحرة فرعون: “قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ”

ورمى السحرة كل أنواع الحبال والعصى إلى الارض وسحروا أعين الناس فرأوها ثعابين وحيات كثيرة..

هلل الناس واغتبط فرعون ظنا منه بأنه قد قضى على ادعاءات موسى..

 فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ

حتى إن سيدنا موسى نفسه قد شعر الخوف للحظات، حينما رأى هذا العدد من الثعابين، وخاف أن تهزمه حيلة السحرة وتخذله..

ولكن الله أوحى إليه مطمئنا “قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)”

ألقى موسى عصاه التى يحملها فى يده اليمنى، فتحولت إلى ثعبان رهيب أكل كل ماقد سحره السحرة الآخرون..

ذهل الناس جميعا، وخذل فرعون، حتى إن السحرة هم أول من آمن لأنهم من كان يستطيع التمييز بين مافعلوه من سحر بسيط وبين تلك المعجزة الآلهية العظيمة..

آمن سحرة فرعون وخروا على الأرض ساجدين لله..

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ

وبدأ الناس ممن شهد الواقعة يؤمنون ويسجدون لله العلى العظيم واحدا تلو الآخر..

وهنا أحس فرعون أن الأمور قد بدأت تخرج من يده، وبدأ يهدد ويتوعد السحرة والذين آمنوا..

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ

ولكن عظمة المعجزة والبيان الذى شهده السحرة جعلهم يوقنون بأن الله هو ملاذهم الوحيد..

فما كان منهم إلا أن ردوا على فرعون وقد أنار الإيمان بالله قلوبهم: “قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ (76)”

افعل ماتريد بنا، حتى إذا قتلتنا وعذبتنا لن نهتم، فنحن نبغى جنة الله..

تتابعت آيات الله ومعجزات سيدنا موسى عليه السلام، مبينة لفرعون حقيقة الله الذى لاإله إلا هو!!

ولكنه طغى وتجبر واستمر فى عناده..

حتى أتى امر الله الى سيدنا موسى بعبور البحر هو ومن آمن معه، وبأن لله سيشق له طريقا فى وسط المياه يعبره موسى والمؤمنين معه..

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ 

بلغ خبر تلك الهجرة إلى فرعون، فحشد لهم وجمع لهم الجنود وخرج على رأسهم للحاق بموسى!!

وقف موسى أما البحر (البحر الأحمر)، وكان المؤمنين معه قد بدأوا يرون رايات فرعون وماجمعه لهم من جنود من خلفهم يسيرون..

طمأنهم سيدنا موسى عليه السلام بيقين: “قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”

ضرب موسى كما أمره ربه البحر بعصاه، فانشقت لججة هائلة لمروره هو المؤمنين، وارتفع البحر من الجانبين كالجبال لايمسهم..

تقدم موسى ومن معه وساروا، وحين وصل فرعون واقترب خلفهم ورأى المعجزة خاف ولكنه أمر جنوده بالمسير خلف موسى ومن معه..

حتى إذا أصبح فرعون وجيشه كله فى منتصف الطريق داخل البحر، أمر الله سبحانه وتعالى البحر أن ينطبق على فرعون والجنود..

هلكوا جميعا ونجا سيدنا موسى ومن معه ووصلوا إلى الجانب الاخر..

غرق فرعون ولفظ البحر جثته إلى الناس، عسى أن يتعظوا مما حدث له، ويؤمنوا ويتقوا..

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس : 92)

ظل موسى سائرا مع قومه فى الصحراء، حتى أنزل الله عليه الوصايا العشر للتوراة..

ورغم كل ماشهده بنى اسرائيل من معجزات عظيمة فى رحلتهم مع نبى الله وماقبلها من آيات، فقد كان يبدو أن معاشرتهم لفساد فرعون فد أفسدت فطرتهم النقية..

حتى إن موسى حين تركهم لتلقى وحى التوراة من ربه، عاد إليهم وجدهم قد صنعوا عجلا من الذهب وعبدوه!!

ظل سيدنا موسى يدعوهم ويوصيهم بعبادة الله سنون أخرى حتى وفاته عليه السلام..

 


ولمزيد من التفصيل يمكنك الاستزادة بقراءة المزيد عن نبى الله موسى عليه السلام من تلك القصص على موقع قصة واقعية 

 

قصة موسى والعبد الصالح – بالتفصيل

جدول المحتويات

راسلنا

أقرأ المزيد من تلخيصات الكتب